أضراره البيئية مزمنة مكب البصّة.. معالجة مستعجلة لمشكلة النفايات المنزلية الصلبة ومطالب للإسراع بنقله إلى الموقع الجديد
يعيد تكرار الحرائق المفتعلة في مكب البصّة إلى واجهة الاهتمام حتمية الإسراع في إجراءات معالجة هذا الملف البيئي الساخن الذي لايزال يجثم على رئة مدينة اللاذقية منذ ثلاثة عقود ازدادت خلالها المشكلة تعقيداً جراء تأخر المعالجة المنتظرة، وما يثير الاستغراب، ويبعث على الاستهجان أنه في الآونة التي تتسارع فيها عمليات طمر النفايات المنزلية في مكب البصّة فإن تعمّد افتعال الحرائق يعكّر صفو المعالجة الجارية، ويتسبب بإرباكات وعراقيل تظهرها الصور والمؤشرات الواردة من كوادر مديرية الخدمات الفنية، ومديرية النفايات الصلبة خلال اندلاع عدد من الحرائق المفتعلة قبل أيام في مكب البصّة الذي ينوء بالتحديات البيئية كونه بلا ضوابط بيئية دقيقة، لاسيما عندما يحمل انبعاثاً دخانياً كثيفاً إلى المناطق السكنية المجاورة، وصولاً إلى مختلف أرجاء المدينة التي تعاني إزعاجاً حقيقياً وحاداً من الدخان المنبعث جراء إشعال حرائق في أكوام المكب الذي ترمى فيه كميات كبيرة بعشرات الأطنان من القمامة التي يجري ترحيلها إليه من كافة أرجاء مدينة اللاذقية، في وقت تتسارع فيه الجهود لإنجاز مطمر قاسية، وإغلاق مكب البصّة الذي تتسبب حرائقه بانتشار الروائح وسحب الدخان فوق مدينة اللاذقية، وترجع مديرية الخدمات الفنية أسباب الحرائق لانبعاث الغازات من النفايات المتراكمة منذ عشرات السنين القابلة للاشتعال مع الحرارة المرتفعة صيفاً، إضافة إلى افتعال الحرائق بالرغم من الإجراءات التي اتخذت في المكب، والتي تعد بمثابة حلول مؤقتة لمعالجة تراكم نفايات على مساحة 30 هكتاراً تنتظر إنجاز مطمر قاسية لوضع حل نهائي.
وفي متابعة “البعث” لهذه المشكلة البيئية فقد أفاد المعنيون بمراقبة المكب وتأهيله أن الدخان المنبعث ناجم عن ظاهرة حرق القمامة بشكل عشوائي، وافتعال مثل هذه التصرفات اللامسؤولة والضارة بالبيئة وبالصحة العامة، وتتم متابعة هذه الظاهرة من الجهات المعنية، واتخاذ إجراءات وتدابير لردعهم، وأوضحوا أن هناك مشروعاً لتأهيل المكب صحياً وبيئياً بعد أن تم تحديد موقع بديل للمكب الحالي في موقع قاسية، وأن حرق القمامة مشكلة قديمة يتسبب بها أشخاص عابثون بالبيئة وبمثل هذه المواقع كونها تمتد على مساحات كبيرة، ولا يألو مجلس المدينة جهداً في وضع ضوابط لهذه المشكلة البيئية المزمنة بتداعياتها على السياحة، والزراعة، والبيئة التي تتخطى أمداً زمنياً يتجاوز ثلاثة عقود حملت معها تجميداً استثمارياً وإنتاجياً وسياحياً واقتصادياً في موقع موصوف لكل زائر له وعارف به أنه سياحي وزراعي وشاطئي بامتياز، توضعاً وإطلالة وامتداداً، وأيضاً لمحاذاته للبحر، ومع ذلك كله بقي ملفاً بيئياً شائكاً معلّقاً ومعقداً استعصت معالجته لسنوات طويلة على الجهات المعنية دون أي حل ملموس، بل كانت كل دراسة تطوي ما قبلها منذ سنوات طويلة، مع أن هذه البقعة هي أول منطقة سجلت قصب السبق في طرحها كمشروع سياحي قبل أكثر من عشرين عاماً متقدمة بذلك زمنياً على أي سوق للاستثمار السياحي.
وأكد مدير الخدمات الفنية المهندس وائل الجردي أن ما يحصل عبارة عن حرائق مفتعلة في مكب البصّة تشمل معظم الأماكن التي لم يتم طمرها حتى الآن، وقد تم استقدام إطفائيات وعدد من الصهاريج إلى الموقع، في وقت تتسارع فيه بوتيرة عالية أعمال التأهيل والطمر في المكب الذي يشكّل الملف البيئي الأكثر تعقيداً وسخونة في محافظة اللاذقية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كون المكب يشغل مساحات واسعة محاذية لشاطىء البحر في منطقة البصّة جنوب مدينة اللاذقية، وبيّن مدير الخدمات الفنية في اللاذقية أن شاطىء البصّة بات على موعد قريب ووشيك ليطوي ملف النفايات المنزلية الصلبة كاملاً بعد قرابة شهر من تاريخه إيذاناً بتخليصه نهائياً من المكب، مؤكداً أنه يتم العمل المكثف والسريع حالياً على تأهيل الموقع وطمر النفايات الصلبة بكل الطاقات الفنية والكوادر والآليات على مدار الساعة لأجل الإسراع بإنجاز أعمال الطمر في المكب الذي يستوعب النفايات الصلبة من اللاذقية ومناطقها البالغة نحو 1000 طن يومياً، بمساحة 100 هكتار على الشاطىء مباشرة، وأنه من المعروف أن مكب البصّة كان عشوائياً في البداية، ثم تحول إلى مكب كبير تتراوح كميات النفايات التي تدخله يومياً بين 800 و 1000 طن يتم طمرها بشكل صحي، وتكمن المشكلة في كميات النفايات الكبيرة غير المطمورة سابقاً، والتي تبلغ آلاف الأطنان، وتحدث فيها الحرائق بشكل سريع، وتنتج عنها انبعاثات غازية ضارة، ولذلك وضعت محافظة اللاذقية خطة مكثفة وسريعة لحل المشكلة ومعالجتها بمتابعة مديرية الخدمات الفنية بدعم من وزارة الإدارة المحلية والبيئة لإعادة طمر الكميات المتراكمة بشكل صحي، وإنهاء المشكلة الناجمة عنها وعن الحرائق والدخان.
وتوقّع المهندس الجردي أن تنتهي أعمال الطمر والتأهيل خلال مدة تقارب الشهر ليصار بعدها إلى تسليم الموقع إلى مديرية السياحة لإعادة تأهيله، والتخلص من النفايات، وسيتم الطمر في مكب قاسية الصحي بريف الحفة كونه مشروعاً متكاملاً فنياً وبيئياً، والخلايا المحفورة فيه معزولة بالشرائح البيتومينية، وليس فيه رشح أو تلويث للينابيع في المستقبل، وهنا يمكننا القول: إن المعالجة المكثفة لهذه المشكلة البيئية تكفل تخليص شاطىء البصّة السياحي من مكب المخلفات المنزلية الصلبة نهائياً، ليودّع بعدها آثاراً بيئية جراء تراكم القمامة على مساحات واسعة، وأيضاً تحقيق المعالجة الفعلية المنتظرة للمشكلة البيئية المعلّقة المزمنة بتداعياتها على السياحة، والزراعة، والبيئة.
وحول أعمال الطمر والتأهيل فقد ذكر المهندس يحيى ياسين رئيس دائرة النفايات الصلبة بمديرية الخدمات الفنية أن أعمال حفر الشرائح تتم بشكل علمي، وسيترافق استكمالها مع مد أنابيب شبكة تصريف العصارة، وأنابيب الغاز للانتقال إلى الرمي في مطمر قاسية مع بداية العام القادم، والانتهاء من العمل في مكب البصّة، ولفت ياسين إلى أن تربة المنطقة التي يتم إنشاء المطمر فيها كتيمة وغير نفوذة تماماً، كما سيتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمعالجة النفايات والنواتج عنها من خلال شبكة التصريف بأقطار متعددة، وسيكون الخط الرئيسي فيها بقطر متر واحد من البيتون المسلح، وبخطوط جانبية وفرعية تلتقي بجور تفتيش لتصريف الغاز، مشيراً إلى أن المطمر يضم ساحات تجميع ستتم إحاطتها بشبك معدني، وبوابات حديدية، ولن يكون معه تلوث للبيئة، أو رائحة غاز وقمامة، أو حتى حرائق.
ويؤكد المهندس زهير تفاحة مدير المشروع في مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية أن إنجاز الخلايا يتم بسرعة مع زيادة نسبة الحفريات في المساحات المخصصة للطمر لتستوعب كميات أكبر من النفايات، الأمر الذي يزيد العمر الافتراضي للمطمر، مبيّناً أن آليات المؤسسة تعمل حالياً على سركبة الجوانب لتأمين الميول اللازم لمد الأنابيب ونقاط الغاز، وبركة تجميع العصارة التي سيتم العمل على إنجازها مع استكمال الحفريات بما يضمن وضع الخلية الأولى بالاستثمار في أقرب وقت، وبيّن أن فرع المؤسسة استحضر كادراً كبيراً مع الآليات اللازمة لتنفيذ المطمر بالسرعة المطلوبة وفق الخطة التي وضعتها وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ومحافظة اللاذقية في ضوء الحاجة لإغلاق مكب البصّة، لافتاً إلى أن رمي النفايات في المطمر سيتم بطمرها على مراحل بطبقات ترابية، مع رصها وتجميع ماء العصارة في برك تجميع، والاستفادة من الغاز لاحقاً.
ومن المنتظر أن يشكّل المشروع حين إنجازه حلاً مطلوباً وفعلياً لأحد أشد التحديات البيئية الكأداء التي تواجه محافظة اللاذقية، ويعد نواة لأحد أكبر المشروعات البيئية الحيوية الضرورية في المنطقة الساحلية، كما يؤكد مدير الخدمات الفنية، حيث جاء تصميم مكب موقع قاسية ليكون مكباً بديلاً عن مكب البصّة الحالي الذي يتوضع منذ سنوات طويلة في منطقة شاطئية، فكان التوجّه البيئي والخدمي والسياحي بنقل مكب البصّة بعيداً عن الشاطىء، مبيّناً أنه يتم حالياً العمل بالشرائح من خلايا الطمر الصحي في مكب قاسية بموجب عقد المشروع المبرم مع مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية، وأوضح المهندس الجردي أن مشروع مكب قاسية سوف يشكّل حسب الدراسة الفنية والإنشائية مجمّعاً بيئياً كبيراً ومتكاملاً، حيث يضم معامل فرز نفايات وسماد وملحقات عديدة، ومن شأن إنجازه أن تتم معالجة كلية لملف النفايات والمخالفات الصلبة بطاقة استيعابية قدرها 1200 طن يومياً، وسيخدّم المحافظة لأمد زمني قدره 30 عاماً.
وتبقى أولوية الأولويات في هذا الملف الشائك الإسراع بالحد الأقصى الممكن في إنهاء واستكمال الإجراءات الفنية والبيئية اللازمة لنقل مكب النفايات المنزلية الصلبة الحالي إلى الموقع الجديد البديل في موقع قاسية ليكون بديلاً سريعاً، وذلك انطلاقاً من تلازم وتكامل قضايا النظافة والبيئة، وتوازيها مع أهمية الطابع السياحي والزراعي المميز لمحافظة اللاذقية.